الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد آلمني نبأ وفاة الداعية الكبير الدكتور/ عبد الرحمن بن حمود السميط يوم الخميس 8/10/1434هـ، الموافق 15/8/2013م؛ لما أعلمه عن هذا العَلَم من سيرة حافلة في مجال الدعوة والعمل الخيري، عزّ نظيرها في هذا العصر. وجال في خاطري، بعد سماعي نبأ وفاته، شريط إنجازاته العظيمة في قارة إفريقيا، ومشواره الدعوي الحافل، ونشاطاته الخيرية، والصعوبات التي واجهته، والمخاطر التي حفّت به في كل أيام دعوته، وبذله وتضحياته.
إنه حقاً رجل قدّم من الخير والدعوة والبذل والتضحيات ما تعجز عن تحقيقه مؤسسات! وقاد “لجنة مسلمي إفريقيا” في فترة هي أزهى الفترات التي مرت بهذه المؤسسة الكريمة؛ فقد أسلم على يديه مئات الآلاف من أبناء القارة الإفريقية، وسعى في بناء مئات المساجد، وأنشأ عشرات المدارس والمراكز الإسلامية والمستشفيات، وكفل آلاف اليتامى والأرامل والمعوزين، وعلّم آلاف الطلبة وكفلهم، إلى غير ذلك من المشروعات الكبيرة التي قدمها في سني دعوته الطويلة من خلال “لجنة مسلمي إفريقيا” و”العون المباشر”.
ومع كل هذا البذل سار بمنهجية مدروسة، واختط لنفسه طريقة رصينة في الدعوة والبذل؛ مما ساعد ـ بحمد الله ـ على تحقيق النجاحات. من ذلك تفرغه للعمل، وتفانيه في سبيله؛ فقد ترك مهنة الطب التي درسها في بغداد وكندا من أجل العمل الخيري والدعوي. ومن ذلك أنه قصر عمله على قارة إفريقيا، وجعلها مجالا فريدا لعمله الذي امتد أكثر من ربع قرن. وكان هنالك مغريات كثيرة للتوسع في عمله، لكنه لم ينسق مع تلك المغريات, والتزم الخط الذي بدأت به اللجنة، وهو العمل في إفريقيا فقط. وكان رجلا يجمع بين العمل الإداري للجنة والعمل الميداني؛ إذ نراه ينزل إلى الميدان بنفسه مشاركا الناس أفراحهم وأتراحهم.
كما نأى الدكتور السميط بنفسه عن الخلافات المحلية في الدين والسياسة والأمور القبلية،ونحوها, وكان حريصا على جمع الكلمة ولم الشمل والتعاون مع الجميع. ومن ثم حظي بمحبة مختلف الأطياف في القارة التي أحبها، ونال تقدير الجميع، وفُتح المجال له في كل أرجاء القارة الإفريقية،ونالت بلاده (دولة الكويت) سمعة حسنة في مجال البذل الخيري من جراء ذلك في مختلف أنحاء العالم.
شاركتُ مع الدكتور/ عبد الرحمن في عدة لقاءات، كان منها المؤتمر العالمي التاسع للندوة العالمية للشباب الإسلامي، الذي عقد في الرياض في عام 1423هـ، فقد شارك معنا أبو صهيب في فعاليات المؤتمر جميعها، كما أدار إحدى الندوات بأسلوبه الجميل الماتع البعيد عن التكلف، وقد كنت أراه بطلعته البهية طيلة أيام المؤتمر، وأرى اجتماع الضيوف عليه والاستفادة منه بكل حفاوة وإجلال.
إن من العجيب حقاً من زمان الناس هذا أن يكون هدف الدكتور/ عبدالرحمن الأول وهمه الملازم له الإقامة في القارة الإفريقية بشكل دائم ليتمكن من العمل فيما بقي من عمره في خدمة القارة الإفريقية، وخدمة أهلها، ودعوتهم، والحرص على إسلام غير المسلم منهم.
إننا بحاجة إلى رجال دعوة مخلصين، ورجال خير مضحّين، ينهلون من مدرسة الدكتور/ عبد الرحمن السميط، ويسيرون على نهجه في الدعوة، ولن نُعدم ـ إن شاء الله تعالى ـ ثلة مباركة من أهل الإسلام يرجون ما عند الله والدارة الآخرة والتجارة التي لن تبور.
كما أنني أدعو إخواني وأخواتي من الباحثين والمؤلفين أن يدرسوا حياة الدكتور/ عبد الرحمن السميط ـ رحمه الله ـ دراسة علمية، ويخرجوا لنا الكتب والبحوث عن منهج الدكتور في الدعوة والبذل،والأسس الرصينة التي سار عليها. وأدعو رجال الأعمال والموسرين أن يتبنوا إقامة مشروعات خيرية تحمل اسم الراحل د. عبد الرحمن السميط، مثل: المدارس، والجامعات، والمراكز الإسلامية،والمساجد؛ عرفاناً منا جميعاً لرجل الخير الأول والدعوة في إفريقيا.
وإنني أتقدم بالعزاء لأبناء الدكتور/ عبد الرحمن وأقاربه ومحبيه، ولكل العاملين في المجال الدعوي والخيري، وللشعب الكويتي قاطبة, سائلا المولى ـ تعالى ـ أن يرفع درجات عبده عبد الرحمن السميط في المهديين, وأن يخلفه في عقبه في الغابرين, وأن يغفر له، ويسكنه الفردوس الأعلى “مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً“، وأن يخلف على أمة الإسلام خيراً، وأن يلهمنا وأهله وذويه والمسلمين جميعاً الصبر والسلوان.
والحمد لله على كل حال.
بقلم الدكتور/ صالح بن سليمان الوهيبي
الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي