من أكثر مراحل العمر إيلاماً ربما هي مرحلة الشيخوخة؛ حيث يهن العظم، وتقل الحيلة، ويضعف الجسد والبصر. مرحلة عمرية قد تمر بسلام عند البعض، ولكنها ليست كذلك عند الكثيرين، خصوصاً بين العرب، الذين يجورون على شبابهم؛ فتجور عليهم شيخوختهم، على عكس بعض الشعوب الآسيوية والأوربية، التي تخطط لهذه المرحلة منذ أيام الشباب، لتكفي نفسها شر الحاجة للغير، فيأمنون على حياتهم ضد العجز والشيخوخة، ويمارسون الرياضة، ويحافظون على نظامهم الغذائي؛ فيبقون ـ إلى حد ما ـ بصحة أفضل، وببنية جسدية أقوى.
غالبية كبار السن في مجتمعاتنا العربية يبقون في خط العجز والحاجة إلى المساعدة، وللأسف لا يجد الأبناء غير دور الرعاية لكبار السن مأوى لهم؛ للتخلص من مسؤوليتهم، ليجسدوا نوعاً من أنواع الجحود والعقوق، “إلا من رحم ربي”. وإن كنا بالطبع لا ننكر أن هناك فئة أخرى ممن يكرسون حياتهم، وينظمونها مهما تكون التزاماتهم؛ ليردوا جميل آبائهم إليهم، فيولونهم الرعاية والاهتمام اللازمين لهم في هذه الأعمار الحرجة من حياتهم، فيرفضون فكرة مغادرة آبائهم من منازلهم، حتى يستلم الله أمانته.. أليسوا هم بركة المنزل؟
يبقى أن أمر العناية بكبار السن، وخاصة المرضى منهم والمقعدين، أمر يتطلب مجهوداً كبيراً، ناهيك عن حاجتهم لمن يخفف عنهم وطأة الصمت، بتبادل أطراف الحديث، وإشعارهم بأنهم لا يزالون محتفظين بثقلهم في الحياة، ولا يزالون مهمين، وليسوا بمهمشين، أو خارج دائرة الزمن، بحاجة إلى من ينعش ذاكرتهم لحمايتهم من أمراض الشيخوخة، والتي منها الخرف والزهايمر وفقدان الذاكرة، بحاجة إلى من يرفهه عنهم، بحاجة إلى من يكون معهم في لحظات حياتهم الأخيرة.
الأهل والأبناء “البارون” لن يألوا جهداً، ولن يقصروا في توفير كل ذلك، ولكن يبقى أن هناك كبار سن يئنون في بيوتهم، ولا يجدون أبناءهم من حولهم، أو أولئك الذين لا ذرية لهم، ولا أهل يتفقدونهم، فتجدهم عاجزين عن أخذ أدويتهم؛ لأنها بعيدة عن متناول أيديهم، ويتخلفون عن مواعيدهم الطبية؛ لعدم توافر المواصلات التي تقلهم من وإلى المستشفى، وربما يبيتون ليلهم دون أكل لإعيائهم، وعدم تمكنهم من إعداد وجبتهم أو حتى شرائها، وأمور أخرى أعان الله من يعاني منها في كبره.
بالتأكيد، لا يخلو حي من أحيائنا من هؤلاء، وربما هم من أفراد عائلتنا، فلا بد من إشاعة فكرة التبرع بالمرور عليهم، وتفقد أحوالهم، وتوفير احتياجاتهم التي يعجزون عنها؛ حتى لا نسمع يوماً إن فلاناً مات منذ يومين في منزله، ولم يشعر بموته أحد، فأكلته الديدان والفئران! ماذا لو تضامن أهل الحي ـ مثلاً ـ لإعداد جدول بينهم للعناية بهؤلاء في منازلهم، كمساعدتهم في العناية الشخصية، وأخذهم لمواعيدهم الطبية، وإعداد وجباتهم الغذائية، أو حتى تخصيص وقت للدردشة معهم، أو أخذهم في نزهة عائلية يفتقدونها ويحنون إليها، ماذا لو قام ممرضو أو أطباء الحي بالتأكد بين الحين والآخر من سلامتهم الصحية، ومدى التزامهم بأخذ أدويتهم في مواعيدها، أمور يمكن تقسيم مهامها على شباب الحي ورجالها ونسائها، فلا تكون حملاً على أحد، ويعم فيها الأجر على الجميع.
وليس كل كبارالسن وحيدين لا أهل لهم، فبالتالي أعداد من يحتاجون إلى هذه الالتفاتة لن يكون كبيراً، ويمكن أن تكون المهمة هينة إذا ما تكاتف الجميع على أدائها، ويكفي أن نتذكر أن حياتنا سلف ودين؛ ما نقوم به اليوم يعود علينا بالغد، فإن ساعدت ساعدوك، فربما يأتي يوماً نكون في وضعهم، ونحتاج إلى من يعيننا في أرذل العمر.. من يعلم؟ فلنسع لأعمال تشفع لنا في غدنا.
**وقفة: يكفي أن يرفع المسن أو المسنة أيديهم للدعاء لكم.
بقلم :ياسمين خلف
منقول من موقع مداد